هل سمعتي يوما يا اختاه
قوله صلى الله عليه وسلم
ما افلح قوم ولوا امرهم لامراة
هل يجوز في الشريعة الإسلامية أن تكون المرأة حاكمة ؟ أتمنى
أن يكون هناك دليل من القرآن .
الحمد
لله
أولاً :
يُشْكر
الأخ السائل على حرصه على معرفة واتباع الأدلة من القرآن الكريم ، ولكن لا يلزم في
كل مسألة أن يكون لها دليل خاص من القرآن ، بل كثير من الأحكام إنما ثبتت أدلتها
بالسنة النبوية الصحيحة ، ولم تثبت بالقرآن ، والواجب على المسلم اتباع أدلة
القرآن والسنة جميعاً . قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ
تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )
النساء/59 .
فأمر
الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأمر برد المسائل المتنازع
فيها إلى كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
وقال
تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ
فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الحشر/7 .
وروى ابن
ماجه (12) عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ الْكِنْدِيِّ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يُوشِكُ الرَّجُلُ
مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي ، فَيَقُولُ :
بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، مَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ
حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ ،
أَلا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ) . صححه الألباني في صحيح الجامع (8186) .
ثانياً :
دلت
الأدلة من الكتاب والسنة على عدم جواز تولي المرأة للولايات العامة ، كالخلافة
والوزارة والقضاء وما أشبه ذلك .
1- أدلة
القرآن :
قال الله
عز وجل : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ
بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) النساء / 34 .
قال
القرطبي :
قوله
تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ) أي : يقومون بالنفقة عليهن ،
والذب عنهن ، وأيضاً : فإنَّ فيهم الحكام والأمراء ومن يغزو ، وليس ذلك في النساء
اهـ . "تفسير القرطبي" ( 5 / 168 ) .
وقال ابن
كثير :
أي :
الرجل قيِّم على المرأة ، أي : هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت
.
( بما
فضَّل الله بعضهم على بعض ) أي : لأن الرجال أفضل من النساء ، والرجل خير من
المرأة ، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال ، وكذلك المُلك الأعظم ، لقوله صلى الله
عليه وسلم : ( لن يفلح قوم ولَّوا أمرَهم امرأة ) رواه البخاري ، وكذا منصب القضاء
اهـ . "تفسير ابن كثير" ( 1 / 492 ) .
2- أدلة
السنة :
عن أبي
بكرة قال : لما بلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملَّكوا عليهم
بنت كسرى ، قال : ( لن يُفلح قومٌ ولَّوا أمرَهم امرأة ) . رواه البخاري ( 4163 )
.
قال
الشوكاني في "نيل الأوطار" (8/305) :
فيه دليل
على أن المرأة ليست من أهل الولايات ، ولا يحل لقوم توليتها ، لأنه يجب عليهم
اجتناب ما يوقعهم في عدم الفلاح اهـ بتصرف .
وقال
الماوردي - في معرض كلامه عن الوزارة - :
ولا يجوز
أن تقوم بذلك امرأة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما أفلح قومٌ أسندوا
أمرهم إلى امرأة ) ؛ ولأن فيها من طلب الرأي وثبات العزم ما تضعف عنه النساء ، ومن
الظهور في مباشرة الأمور ما هو عليهن محظور اهـ "الأحكام السلطانية " (
ص 46 ) .
وقال ابن
حزم رحمه الله - في معرض حديثه عن الخلافة - :
ولا خلاف
بين أحدٍ في أنها لا تجوز لامرأة اهـ "الفصل في الملل والأهواء والنحل"
( 4 / 129 ) .
وفي
"الموسوعة الفقهية" ( 21 / 270 ) :
اتفق
الفقهاء على أن من شروط الإمام الأعظم أن يكون ذكرا ، فلا تصح ولاية امرأة ، لقوله
صلى الله عليه وسلم : ( لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة ) ، ولكي يتمكن من مخالطة
الرجال ، ويتفرغ لتصريف شئون الحكم ; ولأن هذا المنصب تناط به أعمال خطيرة ,
وأعباء جسيمة , تلائم الذكورة اهـ .
وسئل
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى السؤال التالي :
ما موقف
الشرع الإسلامي الحنيف من ترشيح امرأة نفسها لرئاسة الدولة ، أو رئاسة الحكومة ،
أو الوزارة ؟
فأجاب :
تولية
المرأة واختيارها للرئاسة العامة للمسلمين لا يجوز، وقد دل الكتاب والسنة والإجماع
على ذلك ، فمن الكتاب : قوله تعالى : { الرجال قوَّامون على النساء بما فضَّل الله
بعضهم على بعض } ، والحكم في الآية عام شامل لولاية الرجل وقوامته في أسرته ، وكذا
في الرئاسة العامة من باب أولى ، ويؤكد هذا الحكم ورود التعليل في الآية ، وهو
أفضلية العقل والرأي وغيرهما من مؤهلات الحكم والرئاسة .
ومن
السنَّة : قوله صلى الله عليه وسلم لما ولَّى الفرسُ ابنةَ كسرى : ( لن يفلح قومٌ
ولَّوا أمرَهم امرأة ) ، رواه البخاري .
ولا شك
أن هذا الحديث يدل على تحريم تولية المرأة لإمرة عامة ، وكذا توليتها إمرة إقليم
أو بلد ؛ لأن ذلك كله له صفة العموم ، وقد نفى الرسول صلى الله عليه وسلم الفلاح
عمَّن ولاها ، والفلاح هو الظفر والفوز بالخير .
وقد
أجمعت الأمة في عهد الخلفاء الراشدين وأئمَّة القرون الثلاثة المشهود لها بالخير
عمليّاً على عدم إسناد الإمارة والقضاء إلى امرأة ، وقد كان منهن المتفوقات في
علوم الدين ، اللاتي يُرجع إليهن في علوم القرآن والحديث والأحكام ، بل لم تتطلع
النساء في تلك القرون إلى تولي الإمارة ، وما يتصل بها من المناصب ، والزعامات
العامة ، ثم إن الأحكام الشرعية العامة تتعارض مع تولية النساء الإمارة ؛ فإن
الشأن في الإمارة أن يتفقد متوليها أحوال الرعية ، ويتولى شؤونها العامة اللازمة
لإصلاحها ؛ فيضطر إلى الأسفار في الولايات ، والاختلاط بأفراد الأمة ، وجماعاتها ،
وإلى قيادة الجيش أحياناً في الجهاد ، وإلى مواجهة الأعداء في إبرام عقود ومعاهدات
، وإلى عقد بيعات مع أفراد الأمَّة ، وجماعتها ، رجالاً ونساء في السلم والحرب
ونحو ذلك ، مما لا يتناسب مع أحوال المرأة وما يتعلق بها من أحكام شرعت لحماية
عرضها ، والحفاظ عليها من التبذل الممقوت .
وأيضاً :
فإن المصلحة المدركة بالعقل تقتضي عدم إسناد الولايات العامة لهن ، فإن المطلوب
فيمن يُختار للرئاسة أن يكون على جانب كبير من كمال العقل ، والحزم ، والدهاء ،
وقوة الإرادة ، وحسن التدبير ، وهذه الصفات تتناقض مع ما جُبلت عليه المرأة من نقص
العقل ، وضعف الفكر ، مع قوة العاطفة ، فاختيارها لهذا المنصب لا يتفق مع النصح
للمسلمين ، وطلب العز والتمكين لهم ، والله الموفق ، وصلى الله على نبيِّنا محمَّد
وعلى آله وصحبه اهـ "مجلة المجتمع" ( العدد 890 ) .